
في زمنٍ أصبحت فيه القيمة تُقاس بالنتائج، والعمل يُقاس بالإنتاجية، والوقت يُحسب بالدقائق والساعات، يبدو أن الحديث عن “الهواية” أصبح خارج السياق. تُرى، من لديه الوقت ليفعل شيئًا فقط لأنه يُحبه؟ لا عائد مادي، ولا هدف واضح، ولا طموح مرتبط بها… كأن الهواية ترف، أو رفاهية لا يملكها الجميع.
لكن الحقيقة أن الهواية ليست ترفًا، بل حاجة إنسانية خالصة.
الهواية هي تلك المساحة الصغيرة التي نحافظ بها على إنسانيتنا وسط عالم آلي. هي الفعل الوحيد الذي لا يُطلب منك، ولا يُحاسب عليه أحد، ولا يُنتظر منك فيه إنجاز. حين تمسك بريشة، أو تحفر في تربة، أو تكتب سطرًا دون أن تخطط له مسبقًا، فأنت تمارس أبسط صور الحرية.
أن تزرع، ترسم، تطبخ، تمشي، تصوّر، تكتب، أو تصنع شيئًا بيديك… كل هذه ليست أنشطة “جانبية” كما يصنفها البعض، بل هي مقاومة صامتة ضد صخب العالم وضغطه. إنها لحظات تسترد فيها ذاتك من الاستهلاك اليومي المتواصل، من الاجتماعات، والرسائل، والمهام المتراكمة.
الهواية تمنحك شيئًا لا تستطيع الوظيفة ولا الإنجاز أن يمنحاك إياه: صلة بنفسك.
صلة لا تحتاج إلى تفسير أو تبرير. فقط أنت، وما تحب أن تفعله. وهذا بحد ذاته كافٍ.
الهواية تذكيرٌ بأنك لست آلة خُلقت لتنتج فقط. بل إنسان يحق له أن يعيش لأجل نفسه، لا لأجل الدور الاجتماعي الذي يؤديه. وفي ممارسة هوايتك، أيًا كانت، تولد من جديد… شخصًا أكثر توازنًا، أكثر سكينة، وأكثر قربًا من روحه.
في عالمٍ سريع لا يرحم البطء، لا تتخلَّ عن هوايتك.
فهي ليست كمالية… إنها ضرورة.
أضف تعليق